هو أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان المعري، التنوخي. شاعر ومؤلف عربي كبير، كنيته أبو العلاء، ولقب نفسه برهين المحبسين. المحبس الأول فقد البصر والثاني ملازمته داره واعتزاله الناس. ولد بمعرة النعمان وهي مدينة شامية، يرى بعض المؤرخين أنها منسوبة للنعمان بن عدي، ويرى آخرون
نسبتها للنعمان بن بشير الأنصاري والي حمص وقنسرين أيام معاوية ويزيد ثم أيام عبدالملك، لأنه أول من بنى بيتًا بها، وكان قد مر بها فمات ابن له فدفنه وأقام عليه. فيكون معناها الشدة، فيقال معرة النعمان أي شدته أو حزنه.
نسبه
-----
جدته لأبيه هي أم سلمة بنت أبي سعيد الحسن بن إسحاق المعري، كانت تروي الحديث وعُدّت من شيوخ أبي العلاء الذين سمع الحديث عنهم.
وأمه من بيت معروف من بيوتات حلب الشهباء. وجده لأمه هو محمد بن سبيكة. وخالاه هما أبوالقاسم علي وأبو طاهر المشرف، وكانا من ذوي الشرف والمروءة والكرم، ومن أرباب الأسفار طلبًا للمجد والجاه. يقول أبو العلاء في رثاء أمه:
وكم لك من أب وسم الليالي ... على جبهاتها سمة اللئام
مضى وتَعرُّف الأعلام فيه ... غني الوسم عن ألف ولام
ويقول في خاله علي:
كأن بني سبيكة فوق طير ... يجوبون العزائز والنجادا
أبالإسكندر الملك اقتديتم ... فما تضعون في بلد وسادا
وكان المعري شديد التعلق بأمه يتحدث عنها بعاطفة مشبوبة متقدة، ولما رحل إلى بغداد كان حنينه إليها متصلاً وطيفها لا يفارقه، وتصحبه الهواجس والظنون، وبقي طوال عمره يذكرها ولم ينسها على مر الأعوام. يقول ـ وهو شيخ ـ لابن أخيه القاضي أبي عبدالله محمد:
أعبد الله ما أُسدي جميلاً ... نظير جميل فعلك مثل أمي
سقتني درها ورعت وباتت ... تعوذني وتقرأ أو تُسمي
حاول المعري حضور مجلس إمام النحو ببغداد أبي الحسن علي بن عيسى الربعي، ولما قصده واستأذن عليه قال أبو الحسن: ليصعد الاصطبل، وتعني الأعمى بلغة الشام، فانصرف من فوره مغضبًا، ثم قرر المعري الانسحاب من بغداد، وما كان هينًا على البغداديين مفارقته فكانوا لرحيله كارهين ولفراقه محزونين وودعوه باكين. وودعهم بقصيدته المشهورة:
نبي من الغربان ليس على شرع ... يخبرنا أن الشعوب إلى الصدع
ويذكر أبو العلاء سببين لرحيله هما فقره ومرض أمه.
أثارني عنكم أمران والدة ... لم ألقها وثراء عاد مسفوتا
ويقال إن من أسباب خروجه أن فقهاء بغداد تعرضوا له في بيتين هما:
يد بخمس مئين عسجد وديب ... ما بالها قطعت في ربع دينار
تناقض ما لنا إلا السكوت له ... وأن نعوذ بمولانا من النار
ومن أحسن الشهادات في حقه شهادة الإمام الذهبي المتوفي سنة 747هـ، 1346م، حيث قال: "وفي الجملة فكان من أهل الفضل الوافر والأدب الباهر والمعرفة بالنسب وأيام العرب. وله في التوحيد وإثبات النبوة وما يحض على الزهد وإحياء طرق الفتوة والمروءة، شعر كثير والمشكل منه فله ـ على زعمه ـ تفسير".
أشهر مؤلفاته النثرية
--------------------
ومن أشهر مؤلفاته النثرية رسالة الغفران التي أملاها ردًا على رسالة الأديب الحلبي علي بن منصور بن القارح، وكانت أكثر كتبه يؤلفها ردًا على طلب طالب وكان بعض الأمراء يسألونه أن يصنف لهم. ومن ذلك:
كتاب تضمين الرأي، وهو عظات وعبر وحث على تقوى الله يُختم كل فصل منها بآية؛ وتاج الحرة، وهو خاص بوعظ النساء ومقداره أربعمائة كراسة، كما يقول ابن العديم؛ سجع الحمائم، في العظة والحث على الزهد أيضًا؛ اللامع العزيزي، في تفسير شعر المتنبي؛ جامع الأوزان في العروض والقوافي؛ الصاهل والشاحج، ولسان الصاهل والشاحج والقائف، وهذه الثلاثة ألفها للأمير عزيز الدولة شجاع بن فاتك والي حلب من قبل المصريين؛ الفصول والغايات؛ شرف السيف؛ معجز أحمد، في شرح شعر المتنبي؛ ذكرى حبيب في شعر أبي تمام؛ عبث الوليد، في شرح شعر البحتري؛ رسالة الملائكة، وغيرها كثير. لكن آخر ما أملى من الكتب كتابا المختصر الفتحي وعون الجُمل، ألفهما لابن كاتبه الشيخ أبي الحسن علي بن عبدالله بن أبي هاشم. وكان المعري شديد الاهتمام بكتبه وعلمه وأدبه يجمعها ويفسرها ويدافع عنها. شرح ديوانه سقط الزند بكتاب ضوء السقط، كما شرح اللزوميات بكتابين ودافع عنها بثالث. وشرح الفصول والغايات بكتابين، وشرح الرسائل بكتاب سماه خادم الرسائل. وهذا الجهد ـ فضلاً عن عنايته بها ـ يدل على غزارة علمه وثقته بنفسه، كما يدل على خوفه من التأويل والكذب عليه. وتدل أسماء كتبه على ذوق رفيع.
وفاته
-----
توفي في 16 ربيع أول سنة 449هـ رثاه جماعة من أصحابه وتلاميذه، وأنشدت عند قبره ثمانون مرثاة، وهؤلاء الذين رثوه واعتقدوه إما جهال بأمره وإما ضلال على مذهبه وطريقته، ولقد رؤيت له منامات سيئة يعذب فيها، ولقد حاول البعض أن يعتذر عنه ـ منهم طه حسين ـ وقالوا: إنما كان يقول ذلك مجونًا ولعبًا، ويقول بلسانه ما ليس في قلبه، وقد كان باطنه مسلمًا!، ولقد رد عليهم ابن عقيل الحنبلي، فقال: 'وما الذي ألجأه أن يقول في دار الإسلام ما يكفره به الناس؟ والمنافقون مع قلة عقلهم وعلمهم أجود سياسة منه؛ لأنهم حافظوا على قبائحهم في الدنيا وستروها، وهذا أظهر الكفر الذي تسلط عليه به الناس وزندقوه، والله يعلم أن ظاهره كباطنه'.
لا تعليق
إرسال تعليق